تحية من عند الله طيبه مباركة وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .. وكل عام وانتم بخير .. تجولوا فى هذا الموقع .. لمكتب محمود غنام للأستشارات القانونية والمحاماة .. للتعرف على بعض المواقع القانونية .. والأنشطة النقابية.. نرجوا لكم الفائده الوفيرة .. مع تحيات الأستاذ/ محمود غنام المحامى

مقابل أتعاب المحاماة

بقلم الأستاذ : راغب حنا المحامي

نصوص القانون:
كانت المادة (113) مرافعات قديم تنص على أنه (يحكم بمصاريف الدعوى على الخصم المحكوم عليه فيها)، وقد عدلت هذه المادة في القانون الجديد كالآتي:
(يحكم بمصاريف الدعوى على الخصم المحكوم عليه فيها، ويدخل في حساب المصاريف مقابل أتعاب المحاماة) مادة (357) مرافعات جديد.
والإضافة في المادة الجديدة تكاد تكون ترديدًا لقاعدة مقررة هي أن مصاريف الدعوى تشمل مقابل أتعاب المحاماة، ولكنها في نظري إضافة ذات مغزى خاص حيث جرى العمل على الحكم بمصاريف الدعوى كاملة على الخصم الذي خسرها، أما مقابل أتعاب المحاماة فقد جرى العرف - لسوء الحظ - على الحكم بقدر يسير تافه منها لا يتناسب مطلقًا مع ما أداه من كسب الدعوى إلى محاميه فعلاً.
ولعل الشارع قصد بالنص صراحةً على أنه (يدخل في حساب المصاريف مقابل أتعاب المحاماة) أن يلفت النظر إلى وجوب التسوية بين المصاريف ومقابل أتعاب المحامي في الحكم، وإلى أن ما جرى به العرف من تقدير مبالغ تافهة جدًا مقابل أتعاب المحاماة لمن كسب الدعوى إنما ينطوي على مخالفة صريحة للقانون تمامًا كالحكم له بجزء من المصاريف.
مقتضيات العدالة:
وإذا كان حضرات المحامين قد تحرجوا من الشكوى من هذه الحالة، التي لم تتغير بعد صدور القانون الجديد، لأن الأمر في الظاهر متعلق بأشخاصهم ومصلحتهم، فإني أرى أن المسألة أخطر من ذلك وهي لا تلحق ضررًا بالمحامين بقدر ما تلحق الضرر بذوي الحقوق من المتقاضين، وهي لا تتعلق بمصلحة شخصية ولا بكرامة المحامين بقدر ما تتعلق بتطبيق القانون وتحقيق العدالة.
أما من حيث القانون فقد أوردنا نص المادة (357) مرافعات فيما تقدم، وصراحة النص من ناحية التسوية في الحكم بين المصاريف والأتعاب تغني عن كل تعليق.
فوق ذلك فإن المادة (35) من لائحة الرسوم تنص على أنه (يجوز طلب أجرة المحامين أو الوكلاء ممن حكم عليه بمصروفات الدعوى بشرط أن تكون هذه الأجرة مقدرة بمعرفة المحكمة أو القاضي، ويراعى في تقديرها قيمة الشيء المتنازع فيه والعمل الذي باشره المحامي أو الوكيل والزمن الذي قضاه في ذلك وحالة ثروة المخاصمين).
فهل تراعي المحاكم شيئًا من هذه الاعتبارات عند تقدير أتعاب المحامي على الخصم الذي خسر الدعوى ؟ نأسف أن نقول إن المحاكم لا تراعي شيئًا من هذه الاعتبارات إذ تقدر عادةً أتعابًا قد تصل أحيانًا إلى خمسين قرشًا أو مائة قرش ولا تزيد غالبًا عن خمسمائة قرش أو ألف قرش في منازعات تبلغ قيمتها ألوف الجنيهات وتستغرق وقتًا طويلاً وجهدًا كبيرًا.
ويقيننا أن هذا التقدير ينطوي على مخالفة صريحة لأحكام القانون، فضلاً عن مجافاته للعدالة فغني عن البيان أن حكمة إلزام من خسر الدعوى بجميع ما تكبده خصمه من نفقات التقاضي هي تحميل المدين المماطل نتائج مما طلته، وإقالة أصحاب الحقوق مما تكبدوه من نفقات في سبيل الوصول إلى حقوقهم، وهذه الحكمة متوافرة في أتعاب المحامي توافرها في مصروفات الدعوى وأتعاب الخبراء وغيرها من نفقات التقاضي، وليس من العدالة في شيء أن يحمل المدين المماطل دائنه على مقاضاته ثم لا يتحمل في النهاية إلا جزءً من نفقات التقاضي بينما يتحمل سائرها صاحب الحق... وليس من المصلحة العامة في شيء أن يعفى من رفع دعوى مبطلة أو نازع خصمه في دعواه الحقة من تحمل جميع مصاريف الدعوى بما فيها أتعاب المحامي، فإن ذلك خليق بتشجيع المدينين على المماطلة وحمل المبطلين على التمادي في إرهاق خصومهم، فضلاً عما فيه من حرمان ذوي الحقوق من الحصول على كامل حقوقهم.
دفع اعتراض:
يقال إن ما حدا بالمحاكم إلى عدم تقدير كامل الأتعاب التي يستحقها من كسب الدعوى في الحكم - أسوةً بالمصروفات - هو أن المحامين درجوا على أن يشترطوا في عقود اتفاقهم مع موكليهم أن تكون الأتعاب المقدرة على الخصم حقًا لهم فوق الأتعاب المتفق عليها، والواقع أن تقدير أتعاب زهيدة في الأحكام هو الذي حمل المحامين على تضمين عقود اتفاقهم مثل ذلك الشرط، ولو أن المحاكم قدرت في أحكامها على من يخسر الدعوى كامل الأتعاب التي ترى أنها تكافئ جهود محامي الخصم الذي كسب الدعوى بمراعاة قيمة النزاع وثروة الخصوم لتغير الحال وروعي هذا التقدير حتمًا في الاتفاق بين المحامي وموكله، وبذلك تستقيم الأوضاع.
رأي الفقه والقضاء:
ويجدر بنا قبل أن نختم هذه الكلمة أن نشير إلى أن المرحوم فتحي باشا زغلول سبق أن أثار هذه المسألة إذ قال: (لقد جرى القضاة على تقدير الأتعاب التي يطلب القضاء بها على الخصم تقديرًا زهيدًا، ولعل سببه اعتمادهم على أن المحامي يأخذ دائمًا من موكله أتعابه في الدعوى.
وقد رضي المحامون بما جرى عليه القضاة وصار الحال عادةً لا يستغربها أحد ولا يلتفت إلى البحث فيها) [(1)].
وخليق بنا أن نسجل أيضًا مع التقدير ما قرره حضرة صاحب العزة حسن بك إسماعيل الهضيبي في حكم قيم له أصدره عند ما كان قاضيًا لمحكمة نجع حمادي في سنة 1924 حيث قال إنه (يجب الحكم على من خسر الدعوى بجميع الرسوم وبجميع المصاريف، وتدخل في المصاريف أتعاب محامي الخصم الذي كسب الدعوى، وقد جرت المحاكم على الحكم بأتعاب تافهة جدًا لا تكاد في أغلب الأحيان تعوض من كسب دعواه شيئًا من المصاريف التي يكون قد أنفقها في هذا السبيل، على أنه لو حصل خلاف بين المحامي وموكله واحتكما إلى نفس المحكمة التي قدرت هذا التقدير فإنها تحكم للمحامي بأضعاف ما قدرته في منطوق الحكم الصادر على خصمه مع أن لائحة الرسوم في المادة (35) سوت بين الحالتين وجعلت لهما أساسًا مشتركًا في التقدير، فيجب إذن على المحاكم عند ما تحكم على الخصم الذي خسر دعواه أن تحكم عليه بجميع المصاريف والنفقات التي يظن أنه قد دفعها، لا أن تحكم بأتعاب تافهة جدًا لا تعوض شيئًا مما يكون قد أنفقه في سبيل كسب قضيته [(2)].
وقد أشارت محكمة النقض إلى ذلك حيث قالت (إن الشارع إنما ألزم الخصم الذي خسر دعواه لخصمه الآخر بمصاريف الدعوى اعتبارًا بأنه هو الذي تنبغي مساءلته عن هذه المصاريف كتعويض عن الضرر الذي أصاب الخصم برفعه هو دعوى مبطلة أو منازعة خصمه في دعواه الحقة، ولهذا كانت المصاريف لا تشمل إلا النفقات اللازمة قانونًا والناشئة مباشرةً عن رفع الدعوى وسيرها، ووجب أن يدخل فيها بالضرورة ما تكبده المحكوم له من أتعاب محاميه، وإن جرى العرف بأن لا يقدر له منها على خصمه إلا جزء يسير لا يتناسب مع ما دفعه لمحاميه ولا مع قيمة النزاع وأهميته) [(3)].
أمل:
والمحاماة تأمل أن تكون هذه المسألة موضع عناية حضرات القضاة ومحل تقديرهم، فإنها كما قلت لا تتعلق بكرامة المحامين ومصلحتهم الشخصية بقدر ما تتعلق بتطبيق القانون وتحقيق العدالة وخدمة المصلحة العامة.

[(1)] المحاماة لأحمد فتحي زغلول باشا ص 370 - 371 والعقود المسماة لكامل مرسي باشا 1رقم 177 ص 237.
[(2)] نجع حمادي الجزئية 30 يونيه سنة 1924 المحاماة 5 رقم 128 صـ 135.
[(3)] نقض 14 يونيه سنة 1934 مجموعة القواعد القانونية 1 رقم 194 صـ 423.

 

 

 

 

  1-2-3-4-5-6

================================= 

Google